تكون احتمالية خفض الريال فرعا متفرعا عن احتمالية تعويم الريال وفي كلتا الحالتين يستحيل تطبيقه في اقتصاد غير منتج ويغلب التصدير فيه على الاستيراد لتكون هذه الخطوة بداية الانهيار لا بداية نمو.

يمكن فهم ديناميكية الاقتصاد السعودي عند النظر إلى نوعية الإنتاج ومدى تأثر الريال باقتصاد الدولار. فالاقتصاد السعودي وإن كان اقتصاد منفتح على جميع اقتصادات العالم الا ان البترودولار جعل من الاقتصاد السعودي جزء من اقتصاد الدولار. فمنذ عام ١٩٧٣م، انتفع القصيمي في مزرعته و الكاليفورني في شاطئه من نفس قوة الدولار الشرائية. وبما أن الإنتاج في الاقتصاد السعودي منذ ذلك التاريخ هو قائم على ثروة خارجة عن نشاط المجتمع الإنتاجي. حيث كانت إنتاجية المجتمع قبل النفط محصورة في تجارة و زراعة إلى أن أُغرق الاقتصاد الصغير بالدولار مع تدفق النفط الهائل. فأعادت احتياطيات الدولار تشكيل الإنتاجية في الاقتصاد و أصبح تدفق الأموال الى الاقتصاد السعودي في المجمل مرهون بسعر النفط وقل ما يجذب الإنتاج الداخلي أي طلب خارجي ملحوظ. فأصبح بالأمس من يزرع بيده يشارك المجتمع بانتاجيته، يدفع بالدولار لسائق يقود مركبته. 

 لذلك الإنتاجية بالاقتصاد السعودي انحازت نحو الاقطاعية بالرغم من كون الاقتصاد مرتبط بهرم الرأسمالية -الدولار. فما ينتج النفط من دولارات كان كافياً لتوفير حياة كريمة لذلك المجتمع. فالدولار أعطى كل فرد في المجتمع الفرصة ليشتري ليس فقط انتاجية محلية بل اي إنتاج خارجي  سيكون سعيد بقبول الدولار. مما قلل من الحافز للمنافسة، فأصبح المجتمع قليل الانتاجية معتمد على تدفق أموال النفط و قوة الدولار الشرائية. وما ساعد على انحصار إنتاجية الاقتصاد هو عدم وجود صادرات محلية متنوعة مما حد من الطلب على الريال في السوق العالمية وجعل تعاملاته محصورة ومحدودة في تعاملات السوق المحلية.  فأصبح الريال لا يستخدم مطلقاً في تبادلات سلع أجنبية كما هو الحال في الدولار مثلا، فالسلعة السائدة التي تنتجها السعودية هي النفط وعند تصديره تباع بالدولار.

وبما ان الريال لا تقابله سلع محلية سوى سلعة النفط المصدرة والتي تباع بالدولار، ففي بداية الأمر تم اعتماد تحديد سعر صرف الريال مقابل الدولار بمساواة قوته الشرائية مع قوة الدولار الشرائية في بلده الام وايضا كمية الاحتياطيات للبنك المركزي -مؤسسة النقد- التي كانت في ذلك الوقت محدد لسعر الصرف. لذلك ربط الريال بالدولار أعطى موثوقية و قيمة ثابتة للريال بالرغم من أن الاقتصاد السعودي اقتصاد منفتح على العالم الخارجي و قليل من القوانين تحكم تسرب الأموال من الاقتصاد المحلي. إلا أن أصبح معضلة في الآونة الاخيرة بسبب أن الإنتاجية الداخلية منخفضة نسبيا عند مقارنتها مع إنتاجية النفط ما قد يسبب ضغطا سلبيا على استدامة العملة. فاليوم الاقتصاد يحتاج أن يتم رفع كفاءة السيولة في الاقتصاد وتحفيز الإنتاج الداخلي و التحكم بتسريب الأموال من الاقتصاد. هذا الأمر سيكون داعماً  لدور البنك المركزي الذي يعتمد على تحفيز الإنتاج الداخلي بإدارة هذه الأصول بين شرائح الاقتصاد المختلفة ليكون الضامن لثبات سعر صرف الريال بمختلف الأحوال. 

و لفهم دور البنك المركزي السعودي في إدارة السيولة في الاقتصاد، يمكن تصور دخول الأموال الى الاقتصاد عن طريق أولا إيداع العملة الصعبة -غالبا دولار-  في موجودات البنك المركزي. بعد ذلك يقوم البنك المركزي بإيداع ما يوازيها من الريالات في حساب المودع في بنك محلي. فعلى سبيل المثال، متى ما احتاجت الدولة متمثلة في وزارة المالية -أكبر المودعين في الاقتصاد- الى إنفاق ريالات في السوق المحلية، أتت بما يعادله من دولارات لتودعه في البنك المركزي. وغالب هذه الدولارات تكون نتاج بيع النفط في السوق الدولية. فيتم إيداع الدولارات لدى مؤسسة النقد في موجوداتها الأجنبية، ويصدر لوزارة المالية ريالات تكون في حساب المطلوبات لدى مؤسسة النقد.  فعندما تسحب الدولة مبلغا من حسابها المودع عند مؤسسة النقد لتنفق على الرواتب والمشاريع ونحوه، فإن مؤسسة النقد تصدر لها ريالاً من لاشي وتخصم ما يقابله من موجوداتها من النقد الأجنبي. ليكون ما خصم من أصول أجنبية موجود في حساب البنك المركزي و يستبدلها بالريال متى ما خرج من الاقتصاد المحلي. فعندما تتسرب الريالات من الاقتصاد المحلي عن طريق الحوالات وغيرها،  فإن مؤسسة النقد تستبدلها من موجوداتها الأجنبية التي لديها في حساب الدولة أو حسابات البنوك المحلية. و الاحتياطيات النقدية الأجنبية المدرجة في موجودات البنك المركزي تكون مجملاً في صورة أصول و سندات مضمونة السيولة وبلا كلفة. و الموازنة بين الاصول في الاحتياطيات و السيولة في الاقتصاد المحلي هي ركيزة الأساس لنمو الاقتصاد أو ركوده. لذلك أصبحت الزيادة في الاحتياطيات الأجنبية مقابل الريال الموجود في السوق المحلية تؤدي إلى تعطيل الاقتصاد وعدم الاستفادة قيمة تلك الأصول في الاحتياطيات. إذا حدث العكس و نقصت الاحتياطيات قلت الثقة في الريال ومصداقيته مما قد يسبب ضغط على البنك المركزي مما يضطره للقيام بإجراءات تحد من نمو الإنتاجية. لذلك أصبحت الودائع البنكية من سندات أجنبية و اصول اخرى في اقتصاد قائم على عملته مربوطة، هي وقود الاقتصاد والبنك المركزي هو المتحكم في هذا الصمام. 

فالغالب أن يكون الاقتصاد قائم بنفسه معتمد على عملته. ليصبح خفض قيمة العملة في اقتصاد منتج داعماً لزيادة الطلب على السلع المحلية ليكون حافز لزيادة الإنتاجية ثم الاستدامة. لكن إن كان الاقتصاد غير منتج و معتمد على منتج يباع بالدولار والدولة منفتحة على العالم، كما هي السعودية، سيكون هذا الخيار غير مجدي. فلو خفض سعر الصرف أو أصبحت العملة مخفضة بسبب ديون الدولة أو فسادها فستكون هناك نزعة من الأفراد والشركات لتبديل ما يحصلون عليه من عملة محلية إلى عملة صعبة-اجنبية- بدلاً من الاستثمار في الإنتاجية المحلية. ولأن الريال مرتبط بالدولار فخفض قيمة الريال مقابل الدولار يكون بخفض فائدته مقابل فائدة الدولار أو بخفض سعر صرفه ليكون في مستوى جديد. وبكلتا الحالتين هذا التغيير سيولد نزعة لتبديل العملة المحلية بأجنبية مولدا ضغطا على موجودات البنك المركزي ما قد يسبب إلى انكسار العملة. وانكسار العملة سيؤدي إلى انهيار اقتصاد وسيادة تلك العملة ليكون اقتصاد بلا انتاجية و بلا عملة. فتستهلك غالب الاحتياطيات وتنهار البنوك بزوال موجوداتها، والسوق المحلية ستكون انتاجيتها محدودة على الضروريات. لذلك تكون احتمالية خفض الريال فرعا متفرعا عن احتمالية تعويم الريال وفي كلتا الحالتين يستحيل تطبيقه دون اخذ احترازات لتسرب الأموال إلى الخارج. ففي اقتصاد غير منتج ويغلب التصدير فيه على الاستيراد ستكون هذه الخطوة بداية الانهيار لا بداية نمو.