الاقتصاد هو خليط تركيبة إنتاجية يضبطها نظام اقتصادي يشكل السياسة الإدارية لتعاملات الاقتصاد. فمتى ما كانت الإنتاجية متركزة في أصول محدودة غير متجددة الا و انحازت سياسة الاقتصاد الى الريعية أو الاشتراكية، و متى ما تنوعت الإنتاجية و كانت أكثر استدامة الا و أصبح أكثر ديموقراطية و شمولية. لذلك يمكن قياس نسبية نظام الاقتصاد واستقلاليته عند مقارنته مع قطبي النظم الاقتصادية الأكثر تطرفاً. ففي الطرف اليمين يوجد النظام الإقطاعي وهو النظام الذي يمتلك فيه مجموعة محدودة كالدولة أو الاغنياء، أغلب مصادر الإنتاج وتتحكم في كافة الأنشطة الاقتصادية و ماهية توزيع إنتاجها. و وقد تختلف مصادر الإنتاج في النظام الإقطاعي فمنها ما هو متجدد الإنتاج، كالزراعي والسياحي وغير المتجدد كالحربي. فيمكن زراعة الأرض في أحوال مختلفة لأكثر من مرة لكن يبقى الانتاج محدود محصور بالمكان و الزمان. اما الانتاج القائم على حروب فهو  إنتاج وقتي غير مستدام مرتبط ببقاء المنازعات. فأصل الانتاجية في النظام الاقطاعي اليوم هي أصل محتكر أو بلد مُضْطَرِم. و في اقصى الطرف اليسار النظام الرأسمالي حيث انه سوق حرة تنافسية لا تدخّل لأطراف خارجية فيه ولا قوانين تحكمه. و المقصود بالسوق الحر هو السوق الذي يكون السعر انعكاس لمستوى العرض والطلب دون تدخل خارجي. لكن قل ما تسلم النظم في الاقتصادات الرأسمالية من تدخلات خارجية أو قوانين سياسية تؤثر على السوق الحرة. والتدخل الخارجي يكون غالبا بيد صانع السوق مثل الحكومة فتتدخل بفرض ضرائب أو إعانات، تحديد الأسعار او كمية الإنتاج، او بطريقة توزيع الإنفاق الحكومي وغيرها. فمتى ما سلم السوق الحُر من التدخلات الجائرة وحضرت التنافسية البناءة، لا مجال لاصطناع انتاجية زائفة بتغيير الأسعار. فوجود نظام ديمقراطي أهم ركيزة لتمكين النظام الرأسمالي ليعود بالنفع على جميع طبقات المجتمع المنتجة بإيجاد نظام اقتصادي عادل تتوافر فيه الفرص. وهذا ما يفقده في الغالب النظام الإقطاعي. فمركزية مصادر الإنتاج في الاقتصاد الإقطاعية، والتي غالبا ما تنتهي بمركزية احتكارية في ادارة انتاج تلك الأصول، تعيق إعادة تشكل ذلك النظام ليوافق النمو والتنوع في الإنتاج.

لذلك أصبح النظام الاقتصادي لمجتمع معين يتغير نسبيا بتغيير تركيبة الاقتصاد الإنتاجية. فمتى ما انتفع المنتجون من أصل مصادر الإنتاج إلا و توسع وتنوع الاقتصاد. فالمجتمعات اليوم تعمل من أجل تعزيز تنوع إنتاجية الاقتصاد ليكون مستداماً ينتفع فيه الجميع. لذلك تتنوع مصادر الإنتاج و تركيبة النظم الاقتصادية في العالم، إلا أن جميع المجتمعات ترجو الانتقال من الاقطاعية المحدودة إلى الرأسمالية المتنامية، وان اختلفت المسميات. فالاقتصاد الريعي مثلا ما هو في أصله إلا اقتصاداً إقطاعي يتحكم مالك أصل الإنتاج بتدفق اشكال الثروات في الاقتصاد. فالاقتصادات الريعية قائمة على استهلاك أصلها من دون حالة نمو او زيادة في الأصل المستهلك. فبئر النفط و ان كان يدر ذهب أسود لدهور الا و ينبض. فالإنتاجية محكومة بمقدار الاستهلاك من الأصل. لذلك الاقتصاد الريعي أسس لمفهوم الإنتاج الاستهلاكي حيث ان انتاج الاقتصاد قائم على استهلاك موارد محدودة محصورة لفترة زمنية معينة. فالاقتصاد الريعي يعتبر منتج قائم مادام هناك طلب كافٍ على موارد محتكره في أصل الاقتصاد، كالنفط والذهب. فيغطي الطلب على تكاليف إنتاج واستخراج تلك الموارد و يكون مصدر دخل و طفرة لتلك المجتمعات. وغالب الطفرات في الاقتصادات الاستهلاكية تأتي لتعيد تشكيل القوى الاقتصادية المجتمعية لتكون معتمدة على تخطيط مركزي مضعفا الاستقلالية واللامركزية في مؤسسات المجتمع التي هي أصل التنوع والنمو. فعندما لا يقوم مجتمع بذاته وإنما بشي خارج عنه، تجد إثر المسكنة والسطحية الفكرية والتبعية لما تنتجه أرضه. فالانتاجية تبدأ بالإنسان وتنتهي به. فالاقتصاد الريعي ليس اقتصاد مستدام فمتى جفت موارده او زال احتكاره، بدأت تتساقط ركائز ذلك الاقتصاد ليعود تشكيل ماهية إنتاجه السابق قبل عصر الطفرة. فمتى اقترنت طفرة استهلاكية في اقتصاد ريعي مع إدارة ديمقراطية أو مركزية عادلة قادرة على تأسيس و وتنظيم تلك الموارد لإعادة تشكيل اقتصاد المجتمع ليكون مستدام قائم بعد نضوب تلك الموارد، ثبت نفع الإنتاج الاستهلاكي.

 لذلك النظام السياسي يتشكل بناء على نوع النظام الاقتصادي الحاكم لا العكس. فقد أثبتت التجربة مهما طال استخدام الاقتصاد من أجل السياسة الى وضعف الاقتصاد وتهوى، وما أن تسيس السياسة لأجل نفع الاقتصاد فتكون تبع متغيرة بتغير معايير نمو ذلك الاقتصاد إلا وازدهر. فكما أن النظام الرأسمالي أوجد وشرع لنظام ديمقراطي يعكس أقرب صور العدالة الاقتصادية المحكمة، كان بمقدور النظام الرأسمالي أن يستوعب طفرات مختلفة مثل الثورة الانتاجية الصناعية و الرقمية.

كلما كان الإنتاج مستقل الفكر، إلا و قل اعتماده على كل محتكر وزادت هيمنة على كل جديد ليشكل اقتصاداً مستقل مستدام.